آخـــر المشاركـــات

التعصيم والتصنيم

         
                                                          

مع أن الناس يدركون أنه لا عصمة لأحد حتى الأنبياء والمرسلين غير أن تعصيم البشر هو جزء من الثقافة السائدة في مجتمعاتنا الشرقية حيث لازال الحق يعرف بالرجال ولا يعرف الرجال بالحق , ولازال حق القوة طاغيا على قوة الحق , مع أن الحق حق ولو قل مناصروه والباطل باطل ولو كثر داعموه .
مع أن الخطأ ملازم للكائن البشر غير أن القاصرين لا يمكن أن يتخيلوا وجود الخطأ على معصوميهم بل ربما توهموا في أخطائهم عين الصواب وجوهر الحكمة .
إن تعصيم الآخرين نابع من شعور داخلي بقدسية السادة الأعيان وامتلاكهم لطاقات مهولة , حتى ولو بدا الظاهر مخالفا لما يعتقدونه فمع ذلك هم يفترضون في باطن السادة فيوضات إلهية وأسرار علوية لا تطاولها القامات ولا تبلغها الهامات .
كما أن تعصيم الأفراد نابع من حالة المحدودية لدى القاصر والاكتفاء بما لديه دون تفكير بالاستزادة والتطوير والتحديث , حتى ولو فكر بذلك فلديه مرجع واحد يثق به ولا يأخذ من غيره خشية الضياع هو معصومه الأوحد .


لا يتخلى القاصر عن معصومه إلا لمعصوم آخر يمتلك وفرة من المؤيدين والقوة ومزيدا من اللافتات .
كما سادت ثقافة تصنيم البشر في مجتمعاتنا الشرقية والتي تتمثل في رؤية السادة الأعيان كأنهم خارقون للمألوف والمعتاد , مركبون على صفات العظمة وسمات الجلال مع أن الجميع يعلم أن الإنسان مركب على الضعف والنقص والنسيان والهوى والعجز .


والمشكلة تبدأ أصلا من واقع التخلف والجهل والعوز حيث يبدو كل شيء مستهجنا ومستغربا فما إن تظهر بعض مزايا التفوق عند شخص حتى يفرعنوه أو يصنّموه , وقد ظهرت أصنام المال وأصنام الجاه والسلطة والدين والعلم .


هناك حاجة ماسة للشعوب الشرقية لالتقاط الصنم حتى ولو غاب الصنم فمكانه محفوظ بانتظار القادم كي يملأه سحرا وإعجابا وتبتلا وخشوعا وتقديسا وتعظيما .
وحين يحضر الصنم تحضر معه مراسم التوقير والتبجيل وتحضر كلمات التمجيد والتوثين , وترتعد المفاصل فرقا وفزعا من ضخامة المشهد وفخامة الحدث , وتتلعثم الألسنة بالبيان وقد تلتصق بالحلوق فلا تنزل عنها , وتقشعر الجلود خشية وخشوعا ثم تشعر باللذة والمتعة حين يملأ الوثن جنباتها ويفيض عليها من رضاه وعطاياه وربما من إهانته وتوبيخه .


وحين يغيب الصنم فسوف تجد من يتسكع بين القبور يبحث عن جدث يمجده ويقدم له قرابين الذل والخضوع مستشعرا عظمة من طواه الثرى وأكله الدود طالبا منه قضاء حاجاته وتحقيق أمنياته .
إن النفوس التواقة إلى الصنم لن تبني مجدا ولا عزة ولن تقيم حضارة ولا نهضة , إن القلوب التي لا يملؤها إلا صنم لن تنعم بكرامة ولن تعرف التحرروالانعتاق من العبودية  , إن المتسكعين بين القبور بحثا عن صنم سيدفنون أنفسهم تحت تراب الهوان , ما دام في الأمة مزيد من التعصيم فلن تدرك الأمة خطأها ولن تعرف خللها , إن مزيدا من التصنيم سيضع الأمة أمام جدار صلب يمنعها من التقدم ويحجبها عن الضياء , إن مزيدا من التصنيم سوف يدمر الكائن البشري ويحطم إنسانية الإنسان  ويمنع الأمة من الاستثمار في مواردها البشرية , إن أكبر بلاء للأمة يتمثل بالمعصوم والمصنوم فهو العائق الأول لأي تقدم أو تطور أو نهوض , ولقد عانت الأمة من الانحطاط لوجود هؤلاء في درب تقدمها , لكن الحقيقة التي لا ينبغي القفز عليها هي أن أصنام الواقع ستنتهي عندما تتحطم الأصنام في الوجدان ولا تجد لها مكانا في الفكر والشعور , يتحقق هذا بمزيد من العلم والمعرفة والثقافة والانفتاح على الآخرين وبالحوار .


هذه إحدى آفات الأمة وهناك آفات أخرى كالغيبية والقبورية والمبالغة والتضخيم والتهويل وثقافة المحنة والهزيمة وثقافة المؤامرة ثقافة الدماء وسطوة الغالب وثقافة الرفض والتكفير والاستغناء والفرقة ,ثقافة الشكل والهالة المكابرة وحب المنصب والثأرية
والمطلوب هو : ثقافة الحوار والتسامح والكرامة والحرية وروح الفريق وثقافة البناء والعدالة وثقافة الحق
صحيح أن الأمة بحاجة إلى قائد
لكن المشكلة أنه لو وجد القائد لتحول سريعا إلى صنم .....!!!!.....صنم ....؟؟؟..... نعم صنم .....والله صنم ..... لأننا نشاهد عيانا كيف يتقن القوم صنعة التمسح والتزلف مع من يمتلك شبه قيادة  فكيف إذا وجد القائد الفذ ؟؟؟---الميزان العادل ----المخطط الاستراتيجي ---قوي الشخصية ---الأمين على المبادىء والمصالح والأهداف ....؟؟؟ فالأمة التي تحتاج إلى قائد ستحيل القائد إلى صنم .

هناك 3 تعليقات:

  1. كلام في عمق قضية أمتنا ولكن هيهات أن يعي أبناء وطني هذه الحقيقة فقد أغشت الصنمية أبصارهم والمحزن أنهم يغرقون في الضلال أكثر فأكثر بإستمرار

    ردحذف
    الردود
    1. كلام جميل وهذه الافة اعمت البصر والصيرة لدى الكثير وخصوصا تقديس صنمية القائد والفصيل

      حذف