آخـــر المشاركـــات

قيادي في “داعش” يكشف دور مخابرات الأسد في صناعة التنظيم

قيادي في “داعش” يكشف دور مخابرات أسد في صناعة التنظيم
كشف “قيادي كبير” في تنظيم “داعش” من خلال اعترافات أدلى بها لصحيفة الغارديان البريطانية دور مخابرات الأسد في صناعة التنظيم منذ انطلاقة الثورة السورية، ودفع السوريين إلى الانخراط في صفوفه، إضافة للأدوار التي لعبتها الولايات المتحدة والعراق في ذلك.
وقال الكاتب في الصحيفة، مارتن جولوف، وفقاً لما لترجمة المركز الصحفي السوري، إن أحد كبار القادة في تنظيم “الدولة الإسلامية”، كشف في مقابلة حصرية لصحيفة كيف ساهمت أمريكا والعراق في تكوين تنظيم الدولة، حيث يقول جولوف “في صيف ٢٠٠٤، اقتاد الجنود شاباً جهادياً مكبلاً بالقيود الى داخل أسوار سجن بوكا جنوب العراق.
لقد كان متوتراً عندما اقتاده جنود أمريكيون عبر ثلاث بنايات ومن ثم عبر دهاليز مليئة بالأسلاك ليصل إلى ساحة مفتوحة مليئة. بسجناء يرتدون زي السجن ذي الألوان الصارخة، ينظرون إليه بحذر وأعينهم تراقب تحركاته”.
هذا ما قاله لي عند مقابلته الشهر الماضي “لقد تعرفت على بعضهم فورا كنت خائفا من سجن بوكا وبقيت أفكر فيه وأنا في الطائرة ولكنه كان أحسن مما توقعته”.
وحول هوية القيادي، قال جولف، إن القيادي أعطاني الاسم الحركي “أبو أحمد”، ودخل إلى سجن بوكا كشاب في العقد الماضي؛ لكنه الآن قيادي كبير في “الدولة الإسلامية”، لقد حصل على رتبة رفيعة مع زملائه الذين قضوا السجن معه.
إن قصته لا تختلف كثيراً عن السجناء الآخرين الذين قبض عليهم الأمريكيون في المدن والقرى العراقية، ثم نقلوهم بالطائرات إلى سجن مجهول في الصحراء الذي ساعد في تكوين أسطورة الوجود الأمريكي في العراق.
يقول “أبو أحمد”: “كان السجناء يرتعدون خوفاً من سجن بوكا ولكن سرعان ما عرفوا أنه ليس سيئا للغاية، حيث إنه كان الفرصة الذهبية التي وفرها لهم السجن تحت قيادة الجيش الأمريكي. لم يكن باستطاعتنا أن نجتمع في بغداد أو في أي مكان آخر بهذه الطريقة”.
ويضيف “لقد كنا آمنين هنا في السجن. الأوضاع خطرة للغاية خارج أسوار السجن ولكننا هنا على بعد بضعة أمتار من القيادة الرئيسية للقاعدة”.
اللقاء بالبغدادي
قال أبو أحمد: لقد توجه السجناء إليه منذ البداية ولكن لم يتوقع أحد أن يصل إلى هذا المنصب”.
ونوه الكاتب في مقالته إلى أن “أبو أحمد” كان عضوا أساسيا في تشكيل “الدولة الإسلامية”.
أجبر على الانخراط في الميليشيات وهو شاب صغير، بسبب الإحتلال الأمريكي الذي كان يريد تغيير القوى وإعطاء السلطة إلى الأغلبية الشيعية على حساب السنة الذين كانوا القوة المسيطرة سابقاً، وهو ما يعتقده أبو أحمد وآخرون، بحسب الكاتب.
ويضيف جولوف “أن مشاركته في تكوين ما يعرف الآن بالدولة الإسلامية أدت إلى حصوله على مركز رفيع في الخلايا المستجدة التي تسربت من الحدود السورية.
يعتقد العديد من زملائه أن تساقط النظام في المنطقة ساهم بإعادة طموحهم في العراق، والذي يعتبر الهدف غير المحقق بعد ولكن الحرب في سوريا أعطتهم ميداناً جديداً”.
وحول الطريقة التي تم الوصول بها إلى القيادي، قال الكاتب: “وافق أبو أحمد على التحدث معي بعد أكثر من سنتين من المشاورات والتي من خلالها أفصح عن ماضية وعن كونه جزأً رئيساً في أكبر شبكة مليشيات وعبر عن قلقه عن انتشار الدولة الإسلامية في العراق والشام وعن نظرة الدولة الإسلامية في المنطقة”.
وافق أبو أحمد على التحدت مع صحيفة الغارديان بعد تفهمه لما آلت إليه “الدولة الاسلامية”، وذلك من خلال جلسات مطول قدم من خلالها معلومات وفيرة عن “القائد الغامض” وعن نشأة الخلية الإر_هابية والتي تعود من سنة 2004 وهي السنة التي التقى فيها مع أبو بكر البغدادي في سجن بوكا وإلى عام 2011 عندما بدأ العراقيون المتمردون بعبور الحدود إلى سوريا.
وقال الكاتب لقد أعاد “أبو أحمد” النظر في أفكاره بعد اندلاع الحرب في العراق وسوريا، وفي الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط والتي ستستمر إلى أجيالٍ قادمة مليئة ببحر من الدماء على أيدي رفاقه الأيديولوجيين وحشية “الدولة الإسلامية” تتزايد بشكل كبير، حسب وجهة نظر أبو أحمد، الذي بدأ بالتغير مع مرور الوقت، حيث أعاد النظر حول تفسير القران وليس تطبيقه حرفيا.
وحول أمير التنظيم أبو بكر البغدادي، قال أبو أحمد ولد البغدادي إبراهيم ابن عواد البدري السامرائي في عام 1971 في مدينة سامراء العراقية.
ألقي القبض عليه من قبل القوات الأمريكية في الفلوجة في شهر شباط 2004. قام بمساعدة تشكيل الفصيل المسمى بـ”جيش أهل السنة الجماعة” والذي انتشر بين الجماعات السنية الثائرة حول مسقط رأسه.
قال الدكتور هشام الهاشمي المحلل والمستشار الحكومة العراقية، إنه ألقي القبض عليه في منزل صديقه “ناصيف جاسم ناصيف” ونقل إلى سجن بوكا ولكن الأمريكيين لم يتعرفوا على هويته الحقيقة.
لقد وُزِعَ رفاق البغدادي السجناء والذين هم أكثر من 24000 سجين على 24 معسكراً، وكل هؤلاء السجناء لم يعرفوا هويته الحقيقية.
كان السجن هرمي التقسيم، وذلك يبرز من خلال ألوان زي السجناء، حيث يتعرف السجانون من خلالهم على نوع التهمة.
قال أبو أحمد: “اللون الأحمر للذين اقترفوا أخطاءً في السجن، والأبيض لزعيم السجناء، والأخضر للسجن الطويل الأمد والأصفر والبرتقالي للسجناء العاديين. هذا حسب ما اتذكر”.
زعامة البغدادي
دخل البغدادي سجن بوكا وهو يناهز 33 من العمر، وكان يشن حملة ضد الأمريكيين والتي كان يحشد لها ميليشيات من وسط وغرب العراق. إن الاحتلال الذي جاء متقنعاً بحرب التحرير أصبح استعمارًا طاحنًا.
حرم أهل السنة من راعيهم صدام حسين، وبدؤوا القتال ضد القوات الأمريكية وبعدها وجهوا بنادقهم إلى المستفيدين من إطاحة صدام حسين وهم الطائفة الشيعية.
تُعتبر مليشيات البغدادي إحدى عشرات المليشيات التي ظهرت من الجماعات تحت راية القاعدة في العراق ومن ثم تحولت إلى “الدولة الإسلامية في العراق”
هؤلاء هم السلائف لما يُعرف الآن بـ”الدولة الإسلامية” والتي هي الآن تحت قيادة البغدادي وتسيطر على وسط وغرب العراق وشرق سوريا.
هذه القوة التي جذبت الجيش الأمريكي إلى المنطقة الهشة، بعد أن انسحبوا قبل ثلاث سنوات وظنوا أنهم لن يرجعوا إليها.
كانت خلية البغدادي معروفة قليلاً خلال فترة سجنه التي قضاها في سجن بوكا، وكان من الشخصيات الأقل تأثيرا من قائد المتمردين أبو مصعب الزرقاوي، الذي يمثل الرعب الحقيقي في العراق وأوروبا وأمريكا؛
لكن البغدادي عرف كيف يبرز شخصيته ويطغى على كل القادة الذين كانوا في بوكا وفي كل أنحاء العراق، ويُنسب أصل البغدادي إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد الإسلامية.
اعتمد البغدادي على نسبه وشهادته لإعلان شرعية الخلافة الإسلامية في تموز 2014.
وكان ذلك مصيراً متبيناً في ساحة السجن قبل عشر سنوات.
قال أبو أحمد، إن “البغدادي معروف بهدوئه وبشخصيته الجذابة. عرفت أنه شخص مهم ولكني في الحقيقة لم أتوقعه أن يصل إلى هذا المستوى”.
وحسب ما رواه القيادي في التنظيم، ومسجونون آخرون في سجن بوكا في 2004، فإن البغدادي كان له طريقته للتعامل مع سجانيه.
اعتبره الأمريكيون الشخص الذي يلجؤون إليه لحل النزاعات بين السجناء ولفرض الهدوء داخل أسوار السجن.
قال أبو أحمد: “مع مرور الأيام كلما كان هناك مشكلة في السجن، برز البغدادي كعنصر هام.
وأراد أن يكون المسؤول الأول للسجناء. عندما أَنظُرُ مرةً أُخرى أجد بأنه كان يستخدم اسلوب فرق تسد، للحصول على غايته”.
أُطلق سراح البغدادي في كانون الأول 2004 بعد أن قُرِّرَ أنه لا يشكل خطراً.
أشار أبو أحمد إلى أن “الأمريكيين احترموه كثيرًا، ولذلك استطاع زيارة السجناء في معسكر آخر متى أراد.
ولكننا لم نستطع الحصول على نفس المطلب وخلال تلك الفترة، كان يقود حملته خفيه عن أنظارهم ويقوم ببناء الدولة الإسلامية.
لولا السجن الأمريكي في العراق لما كانت هناك الدولة الإسلامية نحن نعتبر بوكا المصنع الذي ساعد في بناء عقيدتنا”.
وبدأت “الدولة الإسلامية” بالانتشار في المنطقة تحت راية الرجال الذين كانوا في السجون الأمريكية خلال فترة الإحتلال الأمريكي للعراق.
بالإضافة إلى سجن بوكا، كان هناك معسكر كروبر قرب مطار بغداد كما كان هناك سجن أبو غريب في غرب بغداد الذي أُغلق بعد 18 شهر من بداية الحرب، وحسب أقوال العديد من المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يديرون عمليات الاعتقال، فإن الكثير من السجناء الذين أُطلق سراحهم ساهموا بشكل كبير في العمليات التخريبية.
وأضاف أبو أحمد “لقد حضرت عدة اجتماعات والتي قال فيها العديد إن الأمور تجري على ما يرام” وهذ ما قاله على خضيري، المساعد للسفراء الأمريكيين في العراق بين 2003 و2011 وهو أيضا مساعد لثلاثة قادة عسكريين أمريكيين.
ومع مرور الوقت، بدأ القادة الأمريكيون بقبول الواقع “أصبحت هنالك عناصر متشددة وهنالك نتائج عكسية في عدة مجالات لقد بدؤوا بالتخطيط والتنظيم لتعيين قادة وشن حملات”.
و وافق أبو أحمد على هذا “كل الأمراء كانوا يجتمعون في السجن بشكلٍ مترددٍ. وتقربنا جداً من بعضنا البعض عرفنا مدى قدراتهم وكيفية استخدامهم لأي سبب ما. أهم السجناء في بوكا كانوا المقرّبين من الزرقاوي الذي اعتبر قائد المجاهدين في 2004”.
بداية التنظيم
وأضاف أبو أحمد “كان لدينا الكثير من الوقت للتفكير والتخطيط. إنها البيئة المثالية.
اتفقنا أن نجتمع بعد إطلاق سراحنا وكانت عملية الاتصال سهلة. كتبنا أرقامنا في ملابسنا الداخلية وعندما خرجنا من السجن اتصلنا ببعضنا كان عندي أرقام هواتف وعناوين كل المهمين لي.
وفي 2009 عاد الكثير منا ليقوم بما قام قبل القبض علينا. ولكننا الآن نقوم بها بطريقة أفضل”.
بعد الإفراج عن البغدادي، أُفرج عن أبو أحمد أيضًا. بعد وصوله إلى مطار بغداد أخذه رجال قابلهم في سجن بوكا إلى بيت في غرب العاصمة ومن هناك انضم ثانية للمجا_هدين الذي تحول من المعركة ضد الاحتلال إلى حرب دامية ضد العراقيين الشيعة.
انتشرت فرق الموت في بغداد وخاصة في مركز العاصمة، وقاموا بق_تل عناصر من الشيعة وبدأوا بته_جير السكان من المناطق التي يسيطرون عليها. تغيرت العاصمة كثيراً على أبو أحمد.
أصبح من الممكن مراقبة كل تطور جديد في الحرب الطائفية بمساعدة السجناء الجدد في بوكا.
لقد عرف أبو أحمد الأجواء التي عاد إليها وكان لقادته في السجن خطط له.
عندما وصل أبو أحمد إلى منزله في غرب بغداد، قام بقطع الحبل الموجود في لباسه الداخلي والذي يحوي أرقام زملائه في السجن وبدأ الاتصال بهم لبدا العمل.
“قام زملائي في السجن بالاتصال ببعض وكانت العملية سهلة للبقاء على اتصال” يبتسم أبو أحمد خلال الحديث معي عندما يتذكر خطتهم: “ملابسنا الداخلية جعلتنا نربح الحرب”.
كان هدف الزرقاوي إعادة إحياء 11 أيلول لتصعيد الموقف. لقد أراد شيئا لنقل الحرب الى قلب العدو وبالنسبة له يمكن أن يحدث هذا من خلال هدفين: كرسي للقوى الشيعية أو تشكيل رمز ديني.
في شهر شباط 2006، وبعد شهرين ثانين تم تف_جير الإمام العسكري في سامراء شرق بغداد.
عندها اشتعلت الحرب الأهلية وتحققت طموحات الزرقاوي.
عندما سألته عن نتائج هذا العنف، سكت أبو أحمد لثوان لأول مرة خلال جلساتنا المتعددة.
“كان هنالك سبب لإشعال الحرب، ولم يكن السبب لأنهم شيعة ولكن لأن الشيعة دفعونا لهذا الموقف. لقد سهل الجيش الأمريكي نقل السلطة لهم وهم كانوا متواطئين مع بعض”.
عندها بدأ الحديث عن الرجل الذي أعطى الأوامر: “كان الزرقاوي ذكيا وكان من أحسن المخططين الاستراتيجيين الذين حضت بهم الدولة الإسلامية.
كان ابو عمر البغدادي شرسا” قال أبو أحمد، وهو يصف خليفة الزرقاوي والذي قت_لته القوات الامريكية في نيسان 2010 “ولكن البغدادي هو الأكثر تعطشا للد_ماء”.
“عندما قتل الزرقاوي، ظهر العديد من رفاقه الذين كانوا متعطشين للد_ماء أكثر منه.
كان فهمهم للشريعة والإنسانية رخيص جدا. لم يفهموا التوحيد (المبدأ القرآني لتوحيد الله) بالطريقة التي يجب فهمها. لا يجب علينا فرض التوحيد عن طريق الحرب”.
بالرغم من التحفظات التي بدأت تظهر بعد 2006، أصبح أبو أحمد جزءً من جهاز القتل البشري التي تعمل بسرعتها القصوى خلال سنتين.
تم تشريد الملايين وته_جير العديد من الأحياء السكنية وتعرض العديد للقسوة الو_حشية.
في ذلك الصيف، قتل الجيش الأمريكي الزرقاوي بمساعدة المخابرات الأردنية في ضربة جوية شمال بغداد.
في نهاية 2006، أصبح التنظيم ضعيفا، حيث اقتلعت جذوره من الأنبار واضمحل وجودهم في أنحاء العراق، ولكن حسب ما قال أبو أحمد، فإن التنظيم استخدم هذه الفرصة لإعادة أحيائه وإبراز النظام وتأكيد هويته. اعتبرت السنوات بين 2008 و2011 سنوات هدوء موقت وليس هزيمة.
في هذا الوقت، ظهر أبو بكر البغدادي وشاع صيته كمساعد أمين للقائد أبو عمر البغدادي ومساعدة الجهادي المصري أبو أيوب المصري.
منذ ذلك الحين، قال أبو أحمد، بدأت الدولة الإسلامية بالاتصال بالعناصر البعثية في النظام السابق، وهم الذين يشاركونهم المبدأ بأن العدو هو الأمريكان والحكومة الشيعية التي تسانده.
دور نظام الأسد في صناعة داعش
إن التجسيد الأولي للدولة الإسلامية انخرط مع البعثيين الذين خسروا كل شي عندما اطيح بصدام حسين وأصبح المبدأ “عدو عدوي صديقي”، ولكن في بداية 2008 وهذا حسب ما قاله أبو أحمد ومصادر أخرى، أن هذه الاجتماعات أصبحت متكررة والعديد منها كان في سوريا.
إن الربط بين سوريا والمتمردين في العراق كان مصدر قلق للحكومة الأمريكية والتي أشارت إليه في اجتماعات عدة في بغداد مع الحكومة العراقية.
إن الحكومتين العراقية والأمريكية مقتنعة أن الرئيس السوري بشار الأسد يساهم في فتح الأبواب للجها_ديين والسماح لهم للطيران من الأراضي السورية، وأن المسؤولين السوريين ساعدوا في عبورهم للأراضي العراقية. “إن كل الاجانب دخلوا عن طريق سوريا. هذا أمر معروف” قال أبو أحمد.
في عام 2008، بدأ الجيش الأمريكي بالتفاوض حول نقل السلطة إلى المؤسسات العراقية الضعيفة وتمهيد الطريق لخروجهم من العراق. لقد كان هناك فئات عراقية قله استطاع الأمريكان الوثوق بهم في الحكومة العراقية ومن ضمنهم الجنرال حسين علي كمال، مدير المخابرات في وزارة الداخلية. كان علمانيا كرديا وحصل على ثقة الحكومة الشيعية. من أهم أحد مسؤولياته هو تأمين بغداد من العمليات الإرهابية.
كان حسين علي كمال مقتنعا مثل الأمريكان أن سوريا (نظام الأسد) وراء زعزعة الأمن في العراق. لقد وصل الجنرال إلى هذه النتيجة بعد عدة تحقيقات أجراها مع جهاديين الذين تم إلقاء القبض عليهم. خلال العام 2009، أفصح الجنرال وذلك خلال لقاءات عديدة عن أدلته واستخدم خرائط توضح الطرق التي سلكها الإر_هابيون لعبور الحدود إلى غرب العراق، كما أنه قال لي الاعترافات التي ساندت رحلات الإرهابيين وعلاقاتهم مع مسؤولين سوريين في المخابرات السورية.
عندما انحسرت عمليات “الدولة الإسلامية” في العراق، أصبح مهووساً باجتماعين حصلوا في سوريا عام 2009 والتي حضرها جها_ديون عراقيون ومسؤولون سوريون وبعثيون سوريون وعراقيون. أصيب الجنرال حسين بسرطان نادر في 2012 وتوفي في بداية هذا العام، وهو صرح لي بنشر حوارنا وقال: “قل لهم الحقيقة” وهذا خلال آخر مقابله معه في شهر حزيران 2014.
قابلته للمرة الأولى في 2009 وأعطاني تفاصيل دقيقة حول الاجتماعين السريين في منطقة الزبداني قرب دمشق، والتي حدثت في ربيع تلك السنة. كان من الحاضرين للاجتماع قادة بعثيين التجؤا إلى سوريا بعد سقوط نظام صدام، ومخابرات سورية وشخصيات مهمه في ما يعرف ذاك الوقت بالقاعدة في العراق.
لقد طور النظام السوري علاقاته مع المتمردين خلال الأيام الأولى من الاحتلال الأمريكي واستخدمهم كأداة لزعزعة أمن الأمريكان وخططهم في العراق.
“عند بداية 2004 و 2005 بدا التواصل بين المتمردين الإسلاميين والبعثيين” حسب أقوال علي قدري، المستشار السابق للسفراء الأمريكان والمسؤولين الرفيعين المستوى في العراق. “لقد كانوا منظمين وعالمين بالوضع على أرض الواقع. مع مرور الوقت تحول بعض البعثيين إلى إسلاميين متشد_دين وبدأ الوضع بالتأزم.
مع سنة 2007، قال الجنرال ديفيد بطرس إن الأمور واضحة جدا وإن العلاقة بين المخابرات السورية والجها_ديين متوطده ولكن الحوافز ليست متطابقة 100%”.
أوضح أبو أحمد من خلال مقابلاتنا، أن العلاقات السورية واضحة في العمليات التخريبية في العراق: “لقد عبر المجا_هدين من سوريا.
لقد علمت مع العديد منهم أن أصحابي الذين كانوا معي في بوكا قدموا الى العراق عبر المطار في دمشق وهناك عدد قليل جاء من تركيا أو إيران. إن غالبية الذين جاؤوا لمساعدتنا عبروا من سوريا”.
ويعتبر المسؤولون العراقيون خط التمويل الخطر الأساسي للحكومة العراقية، والذي يعتبر العامل الرئيسي لتسميم العلاقات بين رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وبشار الأسد.
كان المالكي مقتنعا أن بداية الحرب الأهلية هي خطة بشار الأسد لزعزعة نظامه وهي طريقة لإخراج الأمريكان، وأن الأدلة التي امتلكها في 2009 خلال مقابلته في دمشق أدت إلى اشمئزازه من الرئيس السوري.
“كان مصدرنا في الغرفة مرتديا جهاز تصنت” قال الجنرال حسين: “كان هذا أكثر المصادر حساسية.
حسب علمنا، هذه هي المرة الأولى التي حصل فيها لقاء استراتيجي على هذا المستوى بين كل الأطراف. هذه هي بداية نقطة هامة في التاريخ”.
وفق مصدر الجنرال حسين، فإن حضور البعثيين للاجتماع هو للتوافق على سلسلة من اله_جمات على بغداد وتقليل شعبية رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي، والذي للمرة الأولى ساهم في تنظيم ما بعد الحرب الأهلية في العراق.
حتى ذلك الوقت، كان البعثيون والقاعدة في العراق على اختلاف تام في الإيديولوجية ولكن الصعود للشيعة في العراق ومساندة إيران لهم دفعت الطرفين للتوحد.
في تموز 2009 زادت وزارة الداخلية عدد نقاط التفتيش حول نهر دجله في بغداد، مما أصبح من الصعب التنقل في أي وقت.
تلقى الجنرال حسين رسالة من مصدره في سوريا يقول فيها، إن تشدد الأمن على الجسور دفع بالقاعدة لتغيير الخطة.
لقد اختاروا الآن أهدافا جديدة ولكنه لا يعلم ما هي الأهداف أو متى ستتعرض للق_صف.
قضى الجنرال حسين أسبوعين كاملين في مكتبه جنوب بغداد في منطقه العرصات قبل أن يها_جم رتل على جسر 14 تموز وهو اله_جوم الذي حصل قبل أيام من ضرب بيته في المنطقة الخضراء.
أما بالنسبة لبقية الشهر، قضى الجنرال ساعات عديدة يركض فيها على جهاز الركض يأمل أن يساعده التدريب على التفكير بشكل جيد وأن يسبق الإر_هابيين في خططهم ويحبطها.
“إن الركض يساعدني على الخسة ولكنه لم يساعدني على معرفة خطط الار_هابيين” هذا ما قاله لي قبل أن تحصل الهج_مات “أنا أعلم أن لديهم خطة كبيرة”.
في صباح 19 أيلول، انف_جرت أولى الشاحنات الثلاث المحملة بالمت_فجرات قرب وزارة المالية جنوب شرق بغداد.
سمعت أصداء الانف_جار في كل أنحاء المدينة. وبعد ثلاث دقائق، حصل الانف_جار الثاني على أبواب وزارة الخارجية في الجهة الشمالية من المنطقة الخضراء وبعدها بقليل انف-جار على رتل الشرطة قرب وزارة المالية.
هذه الانف_جارات أودت بحياة 101 شخص وجرحت 600 آخرين. كانت هذه من أعنف اله_جمات خلال الست سنوات من الع_نف في العراق.
“لقد فشلت” قال الجنرال في ذلك اليوم. “لقد فشلنا جميعا” هذا ما قاله لرئيس الوزراء نوري المالكي وقادته الأمنيين. كان رئيس الوزراء غاضبا جدا. “لقد طلب مني تقديم كل الأدلة إلى السوريين وطلبنا من تركيا أن تكون الوسيط.
سافرت الى أنقرة وقابلتهم هناك وأخذت معي الملف الذي يحوي كل المعلومات” أشار الى الملف الأبيض على مكتبه. “لم يستطيعوا تجاهل أو انكار ما ابرزته من أدلة.
كانت القضية واضحة والسوريون عالمون بها. كان علي مملوك (المسؤول عن الأمن السوري) حاضرا والذي ابتسم لي وقال: “أنا لا أعترف بأي أوراق رسمية من حكومة تحت الاحتلال الأمريكي.
هذه مضيعة للوقت”. سحب العراق دبلوماسية من دمشق وقامت سوريا بسحب دبلوماسييها. بقيت العلاقات متوترة حتى بداية 2010 بين المالكي والأسد.
في آذار 2010، ألقت القوات العراقية القبض على القائد الإسلامي، مناف عبد الرحيم الراوي، وذلك بمساعدة الأمريكان.
تم التحري عنه وعرف العراقيون أنه واحد من أهم القادة المتمردين في بغداد وهو واحد من القلة الذين لهم علاقة وثيقة بأبو عمر البغدادي.
اعترف الراوي وقامت أجهزت المخابرات العراقية بالتعاون لإلقاء القبض على أبو عمر البغدادي بعد أن وضعوا جهاز تنصت في باقة ورد أرسلت إلى بيته.
قام الأمريكان بمداهمة المكان بعد أن تم التأكد أن أبو عمر ومساعدة أبو أيوب المصري حاضرين في بيت يبعد 6 اميال عن جنوب غرب تكريت. ف_جر الشخصين نفسهم ليتجنبوا السجن.
لقد وجد الأمريكان رسائل إلى ابن لادن وأيمن الظواهري في الكمبيوتر في ذلك البيت. كان منزل أبو عمر شبيها بمنزل بن لادن في باكستان، حيث لا يوجد انترنت أو خط للهاتف. كل الرسائل تتناقل عن طريق ثلاثة رجال. أحدهم هو أبو بكر البغدادي.
“كان ابو بكر المراسل لأبو عمر” قال أبو أحمد: “لقد اصبح المساعد المقرب له. قام أبو بكر بكتابه أكثر الرسائل المرسلة إلى بن لادن. أصبح أبو بكر القائد بعد أن ق_تل أبو عمر. إن الوقت الذي قضيناه في بوكا كان في غاية الأهمية”.
اعتبرت “الدولة الإسلامية” مق_تل أبو عمر البغدادي وأبو أيمن المصري نكبة كبيرة، ولكن سرعان ما احتل المنصبين من قبل خريجي بوكا، وقام المنسقون بعملية التحضير لهذه اللحظة، وذلك خلف جدران السجن جنوب بغداد. “لقد كانت مدرسة إدارية ولم يكن هنالك أي بطالة لأن الجميع لديهم معلمون جيدون في السجن”.
“عندما بدأت الحرب الأهلية في سوريا تشتد” أضاف أبو أحمد “لم يكن من الصعب أن ننقل خبراتنا إلى معركة مختلفة. العراقيين يحتلون المناصب المهمة في الجيش وفي مجلس الشورى في الدولة الإسلامية الآن وذلك بسبب تحضيراتهم لسنوات عديدة. لقد استخففت بدور البغدادي كما استخف الأمريكان به”.
لقد بقي أبو أحمد عنصرا في “الدولة الإسلامية”، وهو عنصر فعال في العمليات العسكرية في العراق وسوريا. لقد بين لي من خلال اللقاءات المتعددة أنه باق في هذا التنظيم قسرا ولكنه يخشى المغامرة بتركهم.
إن الحياة في هذا التنظيم تعني السلطة، المال والزوجات والهيبة. إن كل هذه العناصر مغرية للشباب الذين يريدون الق_تال لهدف ما. ولكنها أيضا تعني الق_تل والسيطرة من خلال نظرتهم على العالم. قال أبو أحمد إن هنالك العديد من الرجال مثله الذين انخرطوا للجهاد ضد الاحتلال الأمريكي ولكنهم لا يؤمنون بأن المظاهر الأخيرة في هذه الحرب الطويلة تبقى تمثل نفس النهج.
“إنها أكبر غلطة في حياتي أني انضممت اليهم” قال أبوأحمد، ثم أضاف أن ترك التنظيم يعني الموت المؤكد له ولجميع أفراد عائلته. إن البقاء في التنظيم وفرض نظرتهم الو_حشية بالرغم من التبرئة الجزئية منهم لا يزعج أبو أحمد الذي يرى أن هناك خيارات قليلة له.
“أريدك أن تعلم أني أؤمن بالج-هاد” قال أبواحمد وأضاف: “ولكن ما هي الخيارات التي املكها الآن؟ سوف يقت-لوني إذا تركتهم”.
إن الأساس لانخراطه بما يعرف الآن بأخطر خلية إر_هابية في العالم والذي يعكس سبب انخراط العديد أيضا وحصوله على مركز مسؤول في هذا التنظيم، هو أولا بسبب المعركة ضد الجيش المحتل وإحراز هدف ضد العدو الطائفي والآن أصبح حربا التي ممكن أن تثبت نهاية النبوءة.
في عالم الخريجين من بوكا، هناك مساحة صغيرة للتعديل أو التأمل. لقد انجرف أبو أحمد خلال الأحداث مثل العديد من أصدقائه.
“هناك آخرين الذين ليسوا أيديولوجيين” وهو يشير إلى عناصر قيادية في “الدولة الإسلامية” وهم مقربون من البغدادي. “هؤلاء أشخاص بدؤوا من بوكا مثلي وبعدها أصبح الأمر أكبر وأقوى منهم. لا نستطيع التوقف الآن. كل شي خارج عن إرادتنا وخارج عن إرادة البغدادي أو أي شخص آخر في هذه الدوامة”.

ليست هناك تعليقات