آخـــر المشاركـــات

دائماً الذكرى جميلة عند أغلب البشر وعند أهلها إلا في سوريا الذكرى مأسـاة ومجـــزرة


                               حكاية الموت الصامت

كتب صديقي الحر إبن محافظة السويداء Rayan Al-Atrash

على صفحته الشخصية في فيس بوك نقلآً عن د. سليم نمور

قائلاً : لن أنسى تلك الليلة ماحييت وسأحكي الحكاية كل عام

حوالي الثانية ليلا كانت أجهزة الاتصال تكرر النداء

كان علينا التوجه فورا إلى المشافي والنقاط الطبية
لقد فعلها السفاح لقد قصفنا بالكيماوي
كانت السيارات تذهب وتأتي بالمصابين بالعشرات من مختلف الأعمار وتنزلهم في باحة المشفى ..
كانت صهاريج المياه تسكب ماءها على المصابين لإزالة التلوث ..
وكانت الكوادر الطبية والمتطوعين بوسائل الحماية البدائية تبذل المستحل للإمساك بروح هنا وروح هناك قبل أن تغادر الأجساد التي أنهكها الجوع ..


كان المشهد العام مريعا .. البعض قد فارق الحياة ,, البعض يختلج والبعض يختنق ,,
البعض يصرخ والبعض مذهول والبعض في سبات
لقد خرجت تعابير الجميع عن السيطرة وساد المكان الفزع والصراخ والأنين والبكاء
كنت للحظات لا أصدق ما أرى وأظن أنني أحضر فيلما عن يوم القيامة ..!!
* فزعة أهل الغوطة يومها كانت بعنوان التضامن حتى الموت ..
هناك من أحضر الملابس للمصابين .. وهناك من أحضر مافي بيته من طعام ..
هناك من استضاف المصابين في بيته وهناك من رعى أيتام السارين ..
هناك من تطوع لإسعاف المصابين وهناك من تطوع لحفر القبور ودفن الشهداء ..
وهناك الكثير الكثير ممن استشهد بعد تعرضه لبقايا السارين العالقة بالمصابين أثناء إسعافهم ..
هذه المرة نجى المصاب ومات المسعف ..!!
* لن أنسى ما حييت كيف استنشقت أيضا بقايا السارين ..كيف عبرت مثلهم مراحل الموت اختناقا .. لكن الموت لفظني ..
لن أنسى كيف بكيت يومها بدموع جافة .. كنت أعتصر الدمع ولا يستجيب .. لقد كنت تحت تأثير الأتروبين ..
* عندما أصبح الصباح كانت مئات الجثث المصفوفة تحمل أرقاما لا تنتهي خفضت صوتي في حضرتها ,, لقد حسبتهم نيام وخشيت أن أوقظهم ,, كانت وجوه الأطفال بتعابيرها الملائكية تغط في موت عميق ..!!
* كان كل مافي بيوتهم يدل على توقف الحياة عند لحظة معينة .. لقد توقف فيلم الحياة عند مشهد الموت
هنا مائدة لم يكمل جلساؤها طعامهم عندما استنشقوه ,,
هناك براد الشاي والكاسات مازالت عامرة لكنهم تركوها شاهدا على آخر سهراتهم في الحياة ,,,
وفي مكان ثالث كانوا نياما ,, وتركوا على أسرتهم آثار الزبد والقيء والاختناق .
أما العصافير فقد سقطت في أقفاصها فاردة جناحيها مستسلمة للسارين ,,,
كلاب هنا وقطط هناك وخرفان في الزريبة ,,, جميعها ماتت معا في لحظة واحدة ..
* بعد أسبوع حضرت لجنة التحقيق الدولية ,, عاينت المصابين وأخذت عينات من كل ما يخطر بالبال .
خرجت بتقريرها الذي يوثق الكارثة بكل تفاصيلها .
لكن عدالة العالم تعاملت مع الجريمة بشكل جديد ,,, تعاملت بطريقة حولت فيها الخطوط الحمراء إلى إشارات مرور خضراء !!!
لقد اكتفت هذه العدالة بمصادرة أداة الجريمة وعفت عن المجرم !!!
* في الحقيقة لقد ازدحمنا ليلتها على الموت لكنه اختار منا ال 1500 شهيد وأجل الباقين للموت بنكهات جديدة ,,, جوعا و غرقا و حرقا و تحت الردم ,,, وقهرا و تحت التعذيب ,,
د. سليم نمور

ليست هناك تعليقات