آخـــر المشاركـــات

سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه هيئة تحرير الشام

 


هناك سوء فهم سائد حول سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه هيئة تحرير الشام.
ليس هناك تواصل مباشر بين الإدارة الأمريكية والهيئة، لأن تصنيف الهيئة كتنظيم إرهابي يمنع هذا التواصل، وكذلك التواصل بين الهيئة والدول الغربية الاخرى.

هناك فقط حوار غير مباشر من خلال باحثين أجانب يعملون في منظمات حل النزاعات وهم عبارة عن "وسطاء حوار" بين الجهتين. لم تكن دول الغرب قد طلبت من الباحثين إنشاء هذا الحوار مع الهيئة، بل كان ذلك مبادرة من قبل هذه المنظمات المستقلة أو الباحثين نفسهم.

أثناء فترة إدارة ترامب، اعترف مسؤولون في الخارجية ومجلس الأمن القومي والاستخبارات أن الهيئة غيرت سلوكها، وأنها لا تريد تنفيذ عمليات خارجية، وحتى أنها تمنع أي محاولة تخطيط لعمليات خارجية في إدلب، ونتيجة لذلك توقفت الاستخبارات الأمريكية عن اغتيال عناصر وقادات الهيئة بضربات جوية


حتى الآن لا نعرف من سيكون المبعوث الخاص لسوريا (أو إن كان سيتم تعيين شخص لهذا المنصب!) في وزارة الخارجية. لكن نستطيع تحليل المعسكرات داخل إدارة ترامب، فقسم منها يستمر ضمن إدارة بايدن: 1) مسؤولون يدعمون انسحاب أمريكا من سوريا وسيطرة النظام على إدلب.

2) مسؤولون يفضلون بقاء الوضع الحالي في إدلب كما هو، بسبب اعتقادهم بعدم وجود خيارات أفضل، واستمرار الاعتماد على تركيا لإدارة ملف إدلب. ويعني هذا استمرار الأزمة الإنسانية واحتمالية وقوع هجوم جديد من الروس والنظام. وبحسب تقديري فإن هؤلاء هم الأغلبية في الإدارة الحالية والسابقة.

3) مسؤولون يدعمون تعزيز الحوار غير المباشر مع الهيئة بغرض فهم جديتها في تحقيق تغيير عميق وحقيقي في سياستها المتعلقة بمكافحة الخلايا والتنظيمات الجهادية في إدلب. هؤلاء المسؤولون كانوا أقلية في إدارة ترامب وأتوقع أن عددهم سيكون أقل في إدارة بايدن.

4) مسؤولون يقفون مع هجوم الأتراك وفصائلهم على الهيئة وتفكيكها. بعد الحوار مع أنقرة في السنوات الأخيرة، انخفض عدد المسؤولين في هذا المعسكر، بعد أن أدركوا أن تركيا لن تشن حملة ضد الهيئة خوفاً من أن يسبب ذلك نزوحاً كبيراً باتجاه حدودها واحتمال دخول مقاتلي الهيئة إلى الأراضي التركية.


رغم انتشار الشائعات في السنوات الأخيرة، لن تغير الولايات المتحدة من موقفها بعدم تسليح المعارضة، وذلك بسبب ممارسات الجيش الوطني وجرائمه ضد المدنيين في مناطق سيطرته وبحق الأكراد. وتبقى تركيا هي الداعم الوحيد المحتمل للفصائل في إدلب وشمال حلب.

وتسعى الهيئة للتخلص من تصنيفها على قوائم الإرهاب إلا أن ذلك أمر صعب. حتى اليوم جميع التنظيمات التي تم إزالتها من قائمة الإرهاب قد تركت السلاح (مثل مجاهدي خلق) أو تفككت تماماً (مثل ETIM). وعدد من التنظيمات التي تحولت لصيغة أكثر براغماتية ولا تهاجم الغرب مثل حماس وبكك ما زالت مصنفة

أنا وعدد من الباحثين ندعوا دول الغرب خلال حوارنا مع مسؤولين وعبر مقالاتنا، لإعادة النظر في سياسة تصنيف "الإرهابيين" التي هي غالباً متعلقة بأسئلة سياسية وليست معتمدة على معايير واضحة.وقد شهدنا في هذا السياق إزالة السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب بعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل

و برأينا أن عدم وضوح السياسة حول الإزالة من القائمة يضر دول الغرب التي تفقد من تأثيرها وقدرتها على تشجيع الاعتدال والبراغماتية داخل هذه التنظيمات (لها فقط العصا وليس الجزرة)، كما يمنع الحواربين تلك الدول والتنظيمات المصنفة، مثلاً عن حلول سياسية لعدد من الصراعات في العالم.


بالنسبة لإدلب تحديداً، يسبب تصنيف الهيئة، والتي هي الفصيل المهيمن في إدلب، استمرار انقطاع الدعم لإعادة الاستقرار في إدلب، ويعني إجبار سكان المنطقة على الاعتماد على المساعدات الإنسانية دون استثمار البنية التحتية أو إحياء سوق العمل.

كما أن تصنيف الهيئة يعرقل سياسة تركيا لحماية المنطقة من هجوم النظام وحلفائه الذين يبررون دائماً الهجوم على إدلب بحجة هيمنة تنظيم إرهابي عليها.

موقفي وموقف زملائي ليس الإجماع، ومن بين الباحثين المهتمين بالشأن السوري هناك من يدعمون بدائل أخرى وهي: 1) فرض سيطرة النظام على إدلب وإحلال "المصالحة" على سكان المنطقة، الأمر الذي يعني لنا مذابح جماعية بحق أهل إدلب. 2) بقاء الوضع الحالي، و هذا يعني أزمة إنسانية وتجميد سياسي.

هناك أيضاً بديل آخر يقترحه سوريون وهو انتفاضة شعبية ضد الهيئة. وبرأيي أن الشعب قد تعب بعد عشر سنوات من التشريد والقتل ولن ينتفض ضد فصيل منظم ومسلح، حيث أن فصيل أحرار الشام عندما كان أقوى بكثير من وضعه الحالي لم يكن بمقدوره الانتصار على الهيئة، فكيف للشعب أن ينتصر؟

يقترح بعض السوريون اغتيال قادة الهيئة، ولكن هذا مسار غير مرغوب فيه من طرف تركيا أو الولايات المتحدة لإنه من الممكن أن يجعل القادة والعناصر في الهيئة أكثر تشدد و سعي لتنفيذ عمليات خارج سوريا. وكان الجولاني قد لعب دوراً حاسماً في تهميش القادة والشرعيين المتطرفين في صفوف الهيئة.

وحتى في حال وجود قوات داخل إدلب بإمكانها اغتيال قيادة الهيئة، فإن مؤسسة التنظيم قوية والفصيل لديه حاضنة شعبية، ولو أنها محدودة. حيث أن فصائل أخرى مثل أحرار الشام وجيش الإسلام ظلت متماسكة بعد اغتيال قيادتها ذلك بفضل مؤسسات داخلية قوية وشبكات تجنيد فعالة في المجتمع.

برأيي، إن الهيئة تنظيم شمولي، وقد أضرت جبهة النصرة الثورة السورية بشكل كبير. فقد مارست النصرة أعمال عنف وإرهاب كان منها اغتيال أصدقائي وتشريدهم من المعرة وسراقب، لكن لا نستطيع أن ننكر أن هذا التنظيم قد تغير.

بالنسبة لي، إن التغيير الأهم لم يتم تنفيذه بعد، وسيكون ذلك تأسيس قوة عسكرية وهيئة إدارية "استيعابية" والتخلي عن قمع الحريات وملاحقة المعارضين.

وبإمكان دول الغرب عبر حوار مستقلبي مع الهيئة شرح أولوياتها في إدلب بما في ذلك حريات السكان المحلييين والأقليات، ومحاربة التنظيمات الجهادية وغيرها.

بقلم إليزابيث تسوركف

ليست هناك تعليقات