آخـــر المشاركـــات

الإنسان هو المحور



يمكن اختصار الأسباب التي تقف وراء معظم أزمات العالم قديماً وحديثاً بسبب رئيسي واحد، يتعلق بالخلل في تقدير قيمة الكائن البشري.
الكائن البشري هو محور الخلق وهو مركز الوجود، ومن المقبول والمعقول أن ينقسم الناس ما بين متعلم وجاهل، وغني وفقير، حاكم ومحكوم، لكن ليس من المقبول أن ينقسم الناس ما بين مجرم وضحية.
تتساءل الضحية كثيراً: لماذا أعَذب، وأشَرد، وأقَتل؟. لكن المجرم لا يخطر بباله سؤال: لماذا أقوم أنا بكل هذه الأفعال، وما الذي يجعلني أتخذ قرارا بقتل وإهانة وتعذيب أمثالي من البشر.
عندما يولد الانسان يطلق صرخة الحياة التي يمكن فهمها بأن هذا الكائن البشري بدأ يطالب بحقوقه المشروعة منذ اللحظة الأولى لولادته، وعلى الجميع أن يستمعوا لندائه ويتفهموه.
ولِد الانسان حُرّاً، فليس من حق أحد أن يسطو على حريته ويصادرها منه؛ لأنها أعزّ ما يملك، ولأنها من أصل المصنعية.
في اللحظة التي تشهد فيها البشرية تطوراً نوعياً في علوم الطب والتكنولوجيا والاتصالات، نجد البشرية تنتكس في عالم القيم والمبادئ بصمتها أحياناً، وتخاذلها أحياناً أخرى عما يجري في سورية وغيرها من مذابح يندى لها الجبين، ومجازر قل نظيرها، تديرها عصابات على شكل دول أحياناً لا برامج لها سوى القتل والتدمير.
في سورية يُقتل الانسان باسم الدين، وباسم التاريخ, وباسم الانتماء، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، بلا قيود ولا حدود، وكأن القتل وحده هو المسموح له أن يكون متعدداً متلوناً، لا استثناء فيه. 
يفترض أن يكون الدين مرجعاً للسماحة والفضيلة والأخلاق، لكن المشهد السوري جعلنا نبصر العجائب والغرائب، فكثير من القتل- للأسف الشديد- محاط بالقداسة والطقوس، وكثير منه يحدث تحت شعارات فضفاضة موقّرة.
في سورية صار الموت قتلاً أو تعذيباً هو أهون الشرور، بل صار نهاية لكل الشرور التي لا تطيقها الحجارة الصماء.
في سورية يدفن الكبار صغارهم على عكس ما هو مألوف بين البشر في أماكن أخرى من العالم.
في سورية على المرء أن يختار بين قتل وقتل آخر، فالحياة لم تعد خياراً يختاره المرء في ظل حكم لا يمتلك أي برنامج تنموي أو نهضوي، إذ كل ما يملكه تطوير البرامج لقتل المزيد وبطرق موجعة. 
في سورية لا يقتل الإنسان السوري فحسب وإنما يقتل الضمير العالمي، ويقتل القانون الدولي، وتقتل الشرائع السماوية، وتقتل الفضائل والمكارم والشيم.
ليس أمام المجتمع الدولي- فيما لو أراد إثبات حسن النوايا وحسن السلوك- سوى التحضير لمحاكمة القتلة المجرمين، لأن إفلاتهم من العقاب هو إهانة للإنسانية جمعاء، وسابقة سوف تشجّع على ولادة مزيد من الطغاة المستبدين. 
فحين لا تحول كل تلك الموانع دون ارتكاب أفظع الجرائم بحق الأبرياء، فالمؤكد أن خللاً ما قد أصاب المنظومة الإنسانية، وأن «قيمة الإنسان» تحتاج إلى إعادة مراجعة وتقييم.

آن الأوان أن يتم التمييز بين البشر الذين تحكمهم قواعد الحكمة والعقل والفطرة، وبين آخرين يشبهون البشر ولكن تحكمهم غرائز القتل والوحشية والهمجية.

ليست هناك تعليقات